ماذا ينقص التمويل الأصغر ليكون في الطريق الصحيح ؟
هناك نفره في السودان من اجل دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتقديم التمويل المالي اللازم لها لتمكين هذه الفئات من القيام علي أرجلها في المجالات المتعددة – الصغيرة و المتوسطة - التي يعملون فيها. إن هذا التوجه يعتبر أمرا حميدا نظرا لان هذه الفئات تمثل الغالبية العظمي في المجتمع وتلعب دورا فاعلا في كل المرافق الاقتصادية مما يؤثر بدور مباشر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة. و لقد قام بنك الادخار عند تأسيسه بود مدني و بالتعاون مع ايطاليا بتمويل الفئات الفقيرة والكادحة و هو يقدم هذا النشاط حتى الآن.
في الفترة الأخيرة قام بنك السودان المركزي باتخاذ خطوة نعتبرها جريئة في دعم تمويل هذه المؤسسات أو ما يعرف بالتمويل الأصغر و ذلك بتوجيه البنوك السودانية بتجنيب نسبة 12% من نسبة التمويل والإقراض المصرفي و توجيه هذه النسبة لدعم التمويل الأصغر في مجالاته المختلفة بالسودان, و إضافة لهذا قام بنك السودان بتأسيس وحدة التمويل الأصغر لتقوم برعاية هذا القطاع والإشراف عليه حتى يسير في الاتجاه الصحيح لتحقيق السياسات المرجوة في هذا الأمر الهام.
وتنفيذا للموجهات العامة نلاحظ أن العديد من البنوك السودانية قامت بإنشاء وحدات أو دوائر خاصة لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و لقد تطور هذا الوضع تصاعديا حتى تم تأسيس وافتتاح بنك الأسرة في السودان بمشاركة من القطاع العام والخاص، و هذا البنك يهدف أساسا لدعم التمويل الأصغر لمساعدة الغلابة والفقراء والكادحين ... و هذا يتم بتقديم أموال بسيطة لهم لمساعدتهم في تنفيذ بعض المشاريع الصغيرة أو المتوسطة التي تعود عليهم بالخير وأيضا تعم فائدتها كل المجتمع السوداني.
كل هذه التوجهات تسير حثيثا نحو دعم و مساندة التمويل الأصغر و هذا قطعا سيعود بالفائدة العظمي علي الاقتصاد الوطني وعلي شريحة عظمي من المجتمع، ولكن هل هذا يكفي ؟
في نظرنا إن الأمر ما زال ناقصا و هذا النقص قد يأتي بنتائج عكسية تضر الاقتصاد الوطني و كل التوجهات والسياسات التي ينتهجها القطاع المصرفي وعلي رأسه بنك السودان المركزي.
السؤال الذي يطرح نفسه ما هو النقص و كيف نعالجه؟
إن أهم معضلة تواجه التمويل الأصغر تتمثل في عدم وجود ضمانات كافية يتم تقديمها للبنك للجوء إليها عند فشل العميل في السداد لأي سبب من الأسباب. و نقول أنها معضلة لان من يمنحون التمويل الأصغر لا يملكون ضمانات مادية أو عينية أو أي شيئي ذو قيمة مادية لتقديمه للبنك كما يحدث بالنسبة لتمويل الفئات الاخري التي لا يبدأ صرف التمويل لها إلا بعد استلام البنك للضمانات الكافية والتي تفوق قيمتها مبلغ التمويل والتي يتصرف فيها البنك وفق ما يراه لاستعادة حقوقه.
و بنك الأسرة والبنوك السودانية الاخري تقدم التمويل الأصغر ولكن و نقولها ثانية و ثالثة أن هذه البنوك قد تفشل في استرداد مبلغ التمويل و هذا أمر، كما قلنا في مقالاتنا السابقة، بعيد جدا ولكنه قد يحدث. فماذا يفعل بنك الأسرة والبنوك الاخري؟
إن الوضع الأمثل، و هو ما عليه العمل في جميع دول العالم، هو تأسيس مؤسسة عامة أو صندوق لضمان التمويل الأصغر بل إن هناك بعض البلدان فيها وزارات خاصة تسمي "وزارة دعم و ضمان تمويل المؤسسات الصغيرة و المتوسطة"، و هذه المؤسسات العامة أو الصناديق أو الوزارات لديها ميزانيات و أموال خاصة لضمان التمويل الأصغر وعند فشل العميل في السداد يلجا البنك مباشرة لها لسداد المبلغ وبهذا تكون الدولة هي صمام الأمان والضمان الكافي للتمويل الأصغر و بهذا لا تتعرض بنوك التمويل الأصغر للإفلاس أوالانهيار.
و إذا رجعنا مثلا لأمريكا أو أوربا أو آسيا، نجد أن هذه الدول جميعها قامت بانتهاج سياسة دعم التمويل الأصغر لقناعتهم التامة بأهميتها، وقامت أيضا في نفس الوقت بإنشاء مؤسسات حكومية أو وزارات خاصة لضمان التمويل الأصغر من مال الدولة و مال دافع الضرائب و لم تترك البنوك في مهب الريح. و لهذا نقول أن الأمر ما زال ناقصا في السودان و من المستحسن إنشاء مؤسسة عامة لضمان التمويل الأصغر و هذا ليس صعب المنال و سيتمم النقص الذي ليس له ما يبرره.
و حالنا يقول كما قال الشاعر "و لم أر في عيوب الناس شيئا......... كنقص القادرين علي التمام"