المشروعات الصغيرة والمتوسطة
اهميتها ومعوقاتها
إعداد
الدكتور ماهر حسن المحروق والدكتور أيهاب مقابله
مركز المنشآت الصغيرة والمتوسطة
ايار 2006
مركز المنشات الصغيرة والمتوسطة
جبل عمان – الدوار الثاني
ص.ب 131190 عمان 11942 الاردن
تلفون 962-6 4642242, 4657791, 4657797 فاكس 962-6 4610758
Email:
smecenter@aabfs.orgmaherhm@aabfs.org WWW.aabfs.orgالمشروعات الصغيرة والمتوسطة
اهميتها ومعوقاتها
المقدمة:
يرى كثير من الاقتصاديين أن تطوير المشاريع الصغيرة وتشجيع اقامتها، وكذلك المشاريع المتوسطة من أهم روافد عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول بشكل عام، والدول النامية بشكل خاص، وذلك باعتبارها منطلقاً أساسياً لزيادة الطاقة الانتاجية من ناحية، والمساهمة في معالجة مشكلتي الفقر والبطالة من ناحية أخرى. ولذلك أولت دول كثيرة هذه المشاريع اهتماماً متزايداً، وقدمت لها العون والمساعدة بمختلف السبل ووفقاً للإمكانيات المتاحة.
ونظراً لأهمية هذه المشروعات أخذت معظم الدول النامية تركز الجهود عليها، حيث أصبحت تشجع إقامة الصناعات الصغيرة والمتوسطة وخاصة بعد أن أثبتت قدرتها وكفاءتها في معالجة المشكلات الرئيسية التي تواجه الاقتصاديات المختلفة، وبدرجة أكبر من الصناعات الكبيرة. ويأتي الاهتمام المتزايد – على الصعيدين الرسمي والأهلي – بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لأنها بالإضافة إلى قدرتها الاستيعابية الكبيرة للأيدي العاملة ، يقل حجم الاستثمار فيها كثيراً بالمقارنة مع المشروعات الكبيرة ، كما أنها تشكل ميداناً لتطوير المهارات الإدارية والفنية والإنتاجية والتسويقية، وتفتح مجالاً واسعاً أمام المبادرات الفردية والتوظيف الذاتي، مما يخفف الضغط على القطاع العام في توفير فرص العمل.
وقد وجدت هذه المشروعات مختلف أشكال الرعاية والمساندة، من القطاعين العام والخاص لمساهمتها الكبيرة في قطاع الصناعة، فعلى سبيل المثال تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ما نسبته 90 % تقريباً من المنشآت في العالم وتوظف من (50% - 60%) من القوى العاملة في العالم. فكان لابد من توفير الدعم بمختلف أشكاله لهذه القطاعات الحيوية نظراً لأهميتها، وحتى تتخلص من أهم العقبات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة ألا وهي عدم قدرة أصحابها على توفير التمويل اللازم لاستمرارية نشاطها، وعدم قدرتهم أيضاً على توفير الضمانات التقليدية الكافية التي تشترطها البنوك التجارية لتقديم التمويللها. فالبنوك التجارية تسهم عادةً بالمشاريع الكبيرة، وتفضل التعامل وتقديم القروض لها، بسبب انخفاض درجة المخاطرة لدى هذه المشروعات من ناحية، ولسهولة تعامل البنوك معها من ناحية ثانية، ولقدرتها على توفير الضمانات المطلوبة من ناحية ثالثة، أولوجود أهداف واهتمامات مشتركة.
وتعتبر المعاملة التفضيلية التي تحصل عليها المشروعات الصناعية الكبيرة الدافع الرئيس لاستحداث برامج ضمان مخاطر القروض بهدف تسهيل التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة المستهدفة، وتمكينها من الحصول على التسهيلات الائتمانية عن طريق ضمان مخاطر هذه القروض لدى البنوك والمؤسسات المالية، مما يؤدي إلى زيادة إقبال البنوك على منح التسهيلات لشريحة أوسع من المستثمرين وأصحاب المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية الذين لا تتوافر لديهم الضمانات التقليدية الكافية، ويؤدي ذلك إلى نموهذه المشروعات وتطورها واستمراريتها.
تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة:
بات في حكم المؤكد أنه لا يمكن التوصل إلى تعريف محدد وموحد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. هذا بالإضافة إلى أن كلمة "صغيرة" و"متوسطة" هي كلمات لها مفاهيم نسبية تختلف من دولة إلى أخرى ومن قطاع لآخر حتى في داخل الدولة. فقد أشارت احدى الدراسات الصادرة عن معهد ولاية جورجيا بأن هناك أكثر من (55) تعريفاً للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في (75) دولة. ويتم تعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة اعتماداً على مجموعة من المعايير منها عدد العمال، حجم رأس المال، أوخليط من المعيارين معاً، وهناك تعريفات أخرى تقوم على استخدام حجم المبيعات أومعايير أخرى.
فالبنك الدولي على سبيل المثال يعرف المشروعات الصغيرة والمتوسطة باستخدام معيار عدد العمال والذي يعتبر معياراً مبدئياً، وتعتبر المنشأة صغيرة إذا كانت توظف أقل من 50 عاملاً. وهناك العديد من دول العالم التي تستخدم هذا المعيار لتعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، ايطاليا وفرنسا تعتبر المنشأة صغيرة ومتوسطة إذا كانت توظف حتى 500 عامل، في السويد لغاية 200 عامل، في كندا واستراليا حتى 99 عاملاً، في حين أنها في الدنمارك هي المنشات التي توظف لغاية 50 عاملاً.
إن استخدام عدد العمال كمعيار لتعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة يمتاز بعدد من المزايا منها:
يسهل عملية المقارنة بين القطاعات والدول.
مقياس ومعيار ثابت وموحد Stable Yardstick، خصوصاً أنه لا يرتبط بتغيرات الأسعار واختلافها مباشرة وتغيرات أسعار الصرف.
من السهولة جمع المعلومات حول هذا المعيار.
وهناك دول أخرى تستخدم حجم رأس المال لتعريف المشروع الصغير والمتوسط، مما يؤدي إلى صعوبة المقارنة بين هذه الدول لإختلاف أسعار صرف العملات.
خصائص ومميزات المشروعات الصغيرة والمتوسطة:
إن لهذه الصناعات دور لا يستهان به في بناء الاقتصاد الوطني، وتظهر أهميتها من خلال استغلال الطاقات والإمكانيات وتطوير الخبرات والمهارات كونها تعتبر أحد أهم روافد العملية التنموية. وعلى الرغم من الجدل القائم حول قدم أوحداثة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، فقد تبين أن هذه الصناعات قديمة لأنها كانت النواة والبداية لحركة التصنيع فعلى سبيل المثال إن شركة بينيتون للألبسة (United Colors of Benetton ) ، بدأ صاحبها بالعمل على ماكنة خياطة واحدة في مدخل العمارة التي يسكنها وكان يجمع بواقي القماش من المصنع ويحيكها على شكل ملابس جاهزة. وما توصلت إليه من هذه المشروعات تطور واتساع، وهي كذلك جديدة من حيث استحواذها على الاهتمام الأكبر من جانب المهتمين بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وعلى الرغم من هذا التباين في ترتيب الأولوية التي تتمتع بها الصناعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أنها تستحوذ على خصائص معينة تميزها عن غيرها من الصناعات، وهي كما يلي:
1. مالك المنشأة هومديرها، إذ يتولى العمليات الإدارية والفنية، وهذه الصفة غالبة على هذه المشروعات كونها ذات طابع أسري في أعلب الأحيان.
2. انخفاض الحجم المطلق لرأس المال اللازم لإنشاء المشروعات الصغيرة وذلك في ظل تدني حجم المدخرات لهؤلاء المستثمرين في المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
3. الاعتماد على الموارد المحلية الأولية، مما يساهم في خفض الكلفة الانتاجية وبالتالي يؤدي إلى انخفاض مستويات معامل رأس المال/العمل.
4. ملاءمة أنماط الملكية من حيث حجم رأس المال وملاءمته لأصحاب هذه المشروعات، حيث أن تدني رأس المال يزيد من اقبال من يتصفون بتدني مدخراتهم على مثل هذه المشروعات نظراً لانخفاض كلفتها مقارنة مع المشروعات الكبيرة.
5. تدني قدراتها الذاتية على التطور والتوسع نظراً لإهمال جوانب البحث والتطوير وعدم الاقتناع بأهميتها وضرورتها.
6. الارتقاء بمستويات الادخار والاستثمار على اعتبار أنها مصدراً جيداً للإدخارات الخاصة وتعبئة رؤوس الأموال.
7. المرونة والمقدرة على الانتشار نظراً لقدرتها على التكيف مع مختلف الظروف من جانب مما يؤدي إلى تحقيق التوازن في العملية التنموية.
8. صناعات مكملة Subcontractors للصناعات الكبيرة وكذلك مغذية لها.
9. صعوبة العمليات التسويقية والتوزيعية، نظراً لارتفاع كلفة هذه العمليات، وعدم قدرتها على تحمل مثل هذه التكاليف.
10. الافتقار إلى هيكل اداري، كونها تدار من قبل شخص واحد مسؤول إدارياً ومالياً وفنياً.
11. تكلفة خلق فرص العمل فيها متدنية مقارنة بتكلفتها في الصناعات الكبيرة.
يلاحظ مما تقدم أن خصائص المشروعات الصغيرة والمتوسطة منها ما هوسلبي ومنها ما هوايجابي، غير أن الجوانب السلبية في هذه المشروعات لا ترجع إليها مباشرة بقدر ما هي مرتبطة بالمشكلات التي تواجهها وهوما سيتم تفصيله أيضاً في هذه الورقة. أما ما يجب التأكيد عليه هنا فهوأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمكنها الاستمرار مدة طويلة دون تحقيق أرباح، ولكنها سرعان ما تنهار حين تواجهها دفعة مالية حرجة لا تقبل التأجيل، ولذلك فإن التدفقات النقدية المباشرة لمثل هذه المشروعات أكثر أهمية من حجم الربح أوعوائد الاستثمار.
دور ومساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاديات الوطنية:
جرت العادة أن يتم قياس دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومساهمتها في الاقتصاد من خلال ثلاثة معايير رئيسية هي المساهمة في التشغيل، الإنتاج وحصتها من العدد الكلي للمنشآت في الاقتصاد. وتظهر أهم المزايا لهذه المنشآت فيما يلي:
1. توفر المشروعات الصغيرة والمتوسطة مصدر منافسة محتمل وفعلي للمنشآت الكبيرة وتحد من قدرتها على التحكم في الأسعار.
2. تعتبر هذه المنشآت المصدر الرئيس لتوفير الوظائف في الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء.
3. هذه المنشآت هي عبارة عن بذور أساسية للمشروعات الكبيرة، مثلاً شركة بنيتون، بناسونيك...
4. تمتاز هذه المشروعات بأنها توفر بيئة عمل ملائمة حيث يعمل صاحب المشروع والعاملين جنباً إلى جنب لمصلحتهم المشتركة.
5. هذا النوع من المشروعات يساعد في تطوير وتنمية المناطق الأقل حظاً في النمووالتنمية وتدني مستويات الدخل وارتفاع معدلات البطالة.
6. تعتبر هذه المشاريع من المجالات الخصبة لتطوير الإبداعات والأفكار الجدية.
المعوقات والمشاكل التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة:
إن نمو وتطور قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في كافة أنحاء العالم يواجه مجموعة من المشاكل، وهذه قد تكون مختلفة من منطقة لأخرى ومن قطاع لآخر ولكن هناك بعض المشاكل التي تعتبر مشاكل موحدة أومتعارف عليها تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في كافة أنحاء العالم. وتعتبر طبيعة المشاكل التي تتعرض لها المشروعات الصغيرة والمتوسطة متداخلة مع بعضها البعض. وبشكل عام يعتبر جزء من هذه المشاكل داخلي وهي المشاكل التي تحدث داخل المؤسسة أوبسبب صاحبها، في حين أنها تعتبر مشاكل خارجية إذا حدثت بفعل وتأثير عوامل خارجية أوالبيئة المحيطة بهذه المنشآت. ومن خلال مراجعة الأدبيات والدراسات السابقة بهذا الخصوص، كان بالامكان تلخيص أهم المشاكل التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة وبشكل عام في كافة أنحاء العالم:
1. كلفة رأس المال: إن هذه المشكلة تنعكس مباشرة على ربحية هذه المشروعات من خلال الطلب من المشروعات الصغيرة والمتوسطة بدفع سعر فائدة مرتفع مقارنة بالسعر الذي تدفعه المنشآت الكبيرة. إضافة إلى ذلك تعتمد المنشآت الصغيرة والمتوسطة على الاقتراض من البنوك مما يؤدي إلى زيادة الكلفة التي تتحملها.
2. التضخم: من حيث تأثيره في ارتفاع أسعار المواد الأولية وكلفة العمل مما سيؤدي حتماً إلى ارتفاع تكاليف التشغيل. وهنا تعترض هذه المنشآت مشكلة رئيسية وهي مواجهتها للمنافسة من المشروعات الكبيرة مما يمنعها ويحد من قدرتها على رفع الأسعار لتجنب أثر ارتفاع أجور العمالة وأسعار المواد الأولية.
3. التمويل: تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة صعوبات تمويلية بسبب حجمها (نقص الضمانات) وبسبب حداثتها ( نقص السجل الائتماني ) وعليه، تتعرض المؤسسات التمويلية إلى جملة من المخاطر عند تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مختلف مراحل نموها. ( التأسيس – الأولية – النموالأولي – النموالفعلي – الاندماج ). ونطراً لهذه المخاطر تتجنب البنوك التجارية توفير التمويل اللازم لهذه المشروعات نظراً لحرصهم على نقود المودعين.
4. الإجراءات الحكومية: وهذه مشكلة متعاظمة في الدول النامية خصوصاً في جانب الأنظمة والتعليمات التي تهتم بتنظيم عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
5. الضرائب : يعتبر نظام الضرائب أحد أهم المشاكل التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء العالم. وتظهر هذه المشكلة من جانبين سواء لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من حيث ارتفاع الضرائب وهي كذلك مشكلة للضرائب، نظراً لعدم توفر البيانات الكافية عن هذه المنشآت مما يضيق عمل جهاز الضرائب.
6. المنافسة : المنافسة والتسويق من المشاكل الجوهرية التي تتعرض لها المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأهم مصادر المنافسة هي الواردات والمشروعات الكبيرة.
7. ندرة المواد الأولية: من حيث الندرة الطبيعية وعدم القدرة على التخزين وضرورة اللجوء الى الاستيراد وتغيرات أسعار الصرف.
مصادر تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة:
ليس هناك من شك في أن جميع المشاريع الصناعية على مختلف مستوياتها، وسواء الجديدة منها أوالقائمة، إنما تحتاج للتمويل المناسب والمهارات الإدارية الملائمة حتى تنمووتحقق دخلاُ وربحا مقبولينً، وقد أصبح تطور المشاريع الصغيرة يشكل مفتاحاً مهماً لخلق فرص العمل وللتنمية الاجتماعية والاقتصادية المتكافئة، وخصوصاً بالنسبة للفئات والمجتمعات الفقيرة والأقل حظاً.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى التمويل في فترات حياتها بدءاً بتأسيس المشروع وانطلاقه، وأثناء تطويره وتنميته وتحديثه، وكذلك في حالة استعداد المشروع أوالصناعة إلى الانطلاق نحوالأسواق التصديرية. وتحتاج المشروعات الصغيرة والمتوسطة للتمويل في مجالات البحث والتدريب ومتابعة الأسواق ومسايرة تطورات الإنتاج، إضافة إلى الحالات التي يتعرض فيها المشروع لأي حدث استثنائي.
ويمكن حصر مصادر هذا التمويل في المدخرات الشخصية لمالك المشروع أوإجمالي المدخرات العائلية، إضافة إلى الاقتراض من البنوك التجارية في حالة الحاجة لذلك، أومن البنوك المتخصصة في توجيه التمويل نحوقطاع معين، البنوك المتخصصة في تمويل القطاع الصناعي أوتمويل القطاع الزراعي، أومن مصادر أخرى تتمثل عادة في مؤسسات الإقراض المتخصصة، وعادة ما تكون هذه المؤسسات مدعومة من قبل الحكومة والجهات الرسمية.
والقطاع المصرفي في أي دولة في العالم يتكون من:
1- البنك المركزي: وهوالسلطة النقدية والمعنية بالإشراف والرقابة على الجهاز المصرفي.
2- البنوك التجارية:
يقوم النظام المصرفي في أي دولة على مجموعة من المؤسسات التي يعتمد نشاطها على تجميع المدخرات المحلية لأفراد المجتمع، ووضعها في متناول المشروعات والأشخاص الراغبين في الحصول على القروض، ويقع على عاتق الجهاز المصرفي الذي يتكون من مجموعة من البنوك التجارية وبنوك الاستثمار، مسؤولية كبيرة تتمثل في حفظ مدخرات أفراد المجتمع، وتوجيهها نحوالاستثمارات في المشاريع الإنتاجية.
ومن مهام البنوك التجارية أيضاً تقديم القروض القصيرة والمتوسطة الأجل إلى مختلف القطاعات الاقتصادية. عادة ما تتدنى مساهمة البنوك التجارية في توفير التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولابد من إعادة التذكير هنا بأن البنوك التجارية عادةً ما تلجأ إلى الإقراض قصير الأجل بصورة عامة ومتوسط الأجل نوعاً ما، هذا في الوقت الذي تحاول فيه الابتعاد بقدر الإمكان عن توفير وتقديم الائتمان طويل الأجل، ولذلك فإن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تواجه صعوبات في الحصول على التمويل من البنوك التجارية، ذلك أن تلك المشروعات تحتاج للائتمان طويل الأجل الذي تفضل البنوك التجارية – على الأغلب – عدم اللجوء إليه، تخوفاً من عدم قدرة هذه المشروعات على توفير الضمانات اللازمة التي يطلبها البنك.
ويمكن تفسير محدودية مساهمة البنوك التجارية المرخصة في توفير التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بعدة عوامل منها:
ارتفاع درجة المخاطر المصرفية المرتبطة بإقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
عدم قدرة هذه المشروعات على توفير الضمانات التقليدية اللازمة للحصول على التمويل اللازم، وهذه الضمانات تعتبر من أهم متطلبات الحصول على الائتمان من البنوك التجارية.
حجم أرباح البنك التي قد تتأثر بفعل ارتفاع الكلفة الإدارية لإقراض المشروعات الصغيرة.
تحيز البنوك التجارية لصالح المشروعات الكبيرة، حيث يوجد بينها في أغلب الأحيان روابط ومصالح مشتركة، وتأخذ هذه الروابط شكل الإدارة المشتركة والملكية المشتركة، والصفقات المشتركة كذلك.
وهناك عوامل أخرى، تتمثل في عدم وجود معاملة تفضيلية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من البنوك التجارية، سواء في سعر الفائدة أم فترات السداد، إضافة إلى ضعف خبرة المنشآت الصغيرة في مجال إدارة الأعمال، وعدم الدراية الكافية بأساليب التسويق، وعدم سلامة الهيكل التمويلي لهذه المنشآت مما يجعل رأس المال المدفوع الظاهر في الميزانية ضئيلاً تحسباً للمساءلة الضريبية.
وعليه، تتجه البنوك التجارية على الأغلب نحوتوجيه الائتمان للمشروعات الكبيرة، وغالباً ما يتركز هذا في مجال الحسابات الجارية المدينة، والقروض البنكية المجمعة، وكلاهما مستهدف نظراً لتدني مستوى المخاطرة فيهما.
3- مؤسسات الإقراض المتخصصة:
جاء إنشاء المؤسسات الإقراضية المتخصصة في معظم دول العالم كرد فعل لتجنب البنوك التوجه نحوتوفير الائتمان طويل الأجل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، في الوقت الذي تركز فيه نشاطها الائتماني في مجال القروض قصيرة الأجل، للحصول على الربح السريع. وعليه، كان لابد من إنشاء مؤسسات تمويلية متخصصة تقدم التسهيلات الائتمانية المتوسطة وطويلة الأجل لمختلف القطاعات الاقتصادية، وذلك وفقاً لشروط وأساليب محددة ومميزة عن تلك المتبعة في البنوك، في محاولة للمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية، وإتاحة المجال أمام مختلف المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتلعب دورها المهم في الاقتصاد الوطني.
أ- المؤسسات والصناديق التمويلية:
غالباً ما تكون هذه المؤسسات حكومية أوشبه حكومية إلى حد ما، تقوم الحكومات بإنشاء مثل هذه المؤسسات وتشجع على إقامتها لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والمساهمة في تطويرها عن طريق توفير التمويل اللازم لها، والعمل على زيادة فرص العمل وتقليل حدة الفقر والبطالة.
ب- الصناديق والهيئات التطوعية والمنظمات غير الحكومية المحلية الأجنبية NGOs:
جاء تأسيس هذه الجمعيات والهيئات نظراً للحاجة الملحة لتوفير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية لمختلف أفراد المجتمع وشرائحه العديدة وتتوجه هذه الجهات عادةً لقطاعات وفئات محدودة مسبقاً.
معوقات تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة:
يلاحظ مما سبق مدى تدني مساهمة مختلف الجهات التمويلية في توفير التمويل لهذا القطاع، يعود هذا للعديد من الأسباب والعوامل التي سنحاول استعراضها بشيء من الاختصار، وهي تنحصر في المعوقات التي تواجهها البنوك التجارية في توفير التمويل، وكذلك المعوقات التي تعترض سير النشاط التمويلي للمؤسسات الإقراضية المتخصصة.
وبناءً على ما تقدم يمكن إسناد امتناع وتراجع أداء البنوك التجارية المرخصة في توفير التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى ما يلي:
ارتفاع الكلفة الإدارية المرتبطة بتنفيذ هذه القروض.
ارتفاع المخاطر المصرفية لهذا النوع من القروض مقارنة مع الإقراض العادي، وعادةً ما تلجأ البنوك إلى الابتعاد عن أي نوع من أنواع المخاطر المصرفية، وتكتنف المشاريع الصناعية الصغيرة تحديداً، والمتوسطة بصورة عامة مخاطر تكفي لابتعاد البنوك التجارية.
تدني الضمانات اللازمة والكافية التي تقبلها البنوك لتقديم القروض، وهذا يؤدي إلى تراجع حجم الائتمان المقدم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
الصعوبة التي تواجه البنوك التجارية في محاولتها لتسييل موجودات هذه المشروعات نظراً لانخفاضها من جانب، والاعتبارات الاجتماعية من الجانب الآخر.
محدودية الثقافة المصرفية لدى أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقد دفعهم ذلك للابتعاد عن البنوك للحصول على التمويل اللازم لمشروعاتهم.
ولم يقبل المجتمع بهذه المحددات كمبرر لابتعاد البنوك عن القيام بدورها في هذا المجال، وخاصة أنها تتمتع بعدد من المزايا، وهي:
كفاءة الإدارة وملاءتها المالية وكفاءة رؤوس الأموال وشفافيتها.
توفر البنية التحتية المناسبة والانتشار الواسع لفروعها، مما يؤمن وصولها إلى معظم الأماكن، ولذوي الحاجة من المقترضين.
كفاءة أنظمتها الرقابية والمحاسبية وأحهزة المتابعة.
ملكيتها من قبل القطاع الخاص مما يجعلها تركز على كفاءة وإدارة المشاريع المجدية وذات
الربحية الأكيدة إلى حد ما.
استقرار مصادرها المالية.
أكثر قدرة على تلبية الاحتياجات المصرفية لهذا القطاع، نظراً لتنوع الخدمات المالية التي تقدمها.
معوقات تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة من قبل مؤسسات الإقراض المتخصصة:
يؤدي تدخل الدولة في أي مؤسسة إقراضية، إلى خلق فكرة لدى المقترضين بأن الدولة هي التي تعمل على دعم وتقديم القروض من خلال تلك المؤسسة، فيشجع الأفراد على الحصول على هذه القروض واستخدامها لأغراض غير تلك التي تم الإعلان عنها مسبقاً عند الحصول عليها، ويحاولون عدم الالتزام بالتسديد، أوعدم اعتبارها التزاماً مالياً يجب القيام بتسديده في الأوقات المحددة.
ولا بد هنا من التذكير بأن إنشاء المؤسسات الإقراضية المتخصصة جاء محاولة لسد جزء من الفجوة التمويلية، وتوفير التمويل لكل قطاع من القطاعات بصورة متخصصة، فهدف هذه المؤسسات منذ إنشائها كان محاولة تصحيح سوق الائتمان، غير أنها لم تتمكن من تجنب مخاطر المجازفة في تقديم القروض، وهذا الجزء من المجازفة تمكنت البنوك التجارية من تجاوزه بوضعها الضمانات كعائق أمام تمويل المؤسسات الصغيرة. ويمكن القول بشكل عام أن أي نشاط تمويلي تمارسه أي مؤسسة، - بغض النظر عن طبيعتها- لا بد أن تعترض مسيرته بعض المعوقات، وتتنوع هذه المعوقات بتنوع الجهات المقرضة، فإذا كانت بنكاً تجارياً تتمثل المعوقات في صعوبة توفير المقترض للضمانات اللازمة للحصول على التمويل. وإذا كانت المؤسسة المقرضة (الممولة) متخصصة تتمثل المعوقات في عدم الالتزام بالغاية الحقيقية من الحصول على القرض أوفي عدم الالتزام بالتسديد. وإذا كانت الجهة المقرضة جهة حكومية فإن المقترض يتعامل مع القرض على أنه معونة أودعم ليس من الضروري تسديده. وتختلف المعوقات من وجهة نظر مؤسسات التمويل عنها من وجهة نظر القائمين على المشاريع الصغيرة، فالمعوقات التي تواجه مؤسسات التمويل هي:
افتقاد عنصر الثقة في القائمين على المشروع الصغير، وينجم ذلك في أغلب الأحيان عن فقدان صاحب المشروع للجدارة الائتمانية المقنعة للمؤسسة التمويلية.
عدم توافر الضمانات الكافية لمنح التمويل للمشروع الصغير.
افتقار المشروع الصغير للخبرة في أساسيات المعاملات المصرفية.
انخفاض القدرة على تسويق المنتجات، مما ينعكس سلبياً على المشروع.
أما المعوقات والمشكلات التمويلية التي تواجه القائمين على المشاريع فتتمثل في:
ارتفاع تكلفة التمويل الذي يرغبون في الحصول عليه.
ارتفاع نسبة المديونية مقارنة بأصول المشروع، وهذه نقطة ذات أهمية خاصة، لأن أصول المشروع الصغير لا توفر أصول الضمان الكافي للحصول على تمويل جديد إذا ما احتاج إليه في فترة تشغيله من أجل الاستمرار في العملية الإنتاجية.
تدخل مؤسسات التمويل وفرض الوصاية على المشروع الصغير، وذلك عند غياب الثقة فيه، مما يؤدي إلى ظهور مشكلات بين مؤسسات التمويل والمشروعات الصغيرة وخاصة في الدول النامية.
والجدير بالذكر هنا أن مباشرة المؤسسات المحلية والدولية التطوعية لأعمالها في مجال خدمات توفير التمويل للمشروعات الصغيرة، إنما جاءت لخلق نوع من التوازن في السياسة الائتمانية.
البنوك التجارية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة:
القروض هي المصدر الأساسي لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء العالم ومصدره هذه القروض عادةً البنوك التجارية، ولذلك فإن لها دور مهم جداً في مجال تمويل هذا النوع من المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويتمثل هدف هذه البنوك في تعظيم أرباحها مما يدفعها إلى البحث عن أعلى عائد ممكن للقروض التي تمنحها، والاحتفاظ باحتياطيات وسيولة مناسبة والجمع بين هذه الأهداف يتم عادةً من خلال إيجاد المقترض القادر على دفع سعر فائدة أعلى، وغير قابل للتعثر مما يعني بأن البنوك تتطلع إلى استثمار ذوجودة عالية وبمعدل عائد مرتفع. وهذا بدوره يزيد من صعوبة حصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة على قروض من البنوك التجارية، ومن أبرز العوامل التي تحد من قدرة هذه المشروعات على الاقتراض ما يلي:
ندرة وقلة المعلومات عن عوائد الاقتراض والاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
عدم قدرة هذه المشروعات على دفع سعر فائدة مرتفع أورهن ضمانات بصورة كافية.
المعلومات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة:
المشكلة الرئيسية التي تواجه البنوك وتمنعها من توفير التمويل المطلوب للمشروعات الصغيرة والمتوسطة هي مشكلة اختلاف المعلومات في سوق الائتمان. وتظهر هذه المشكلة كون صاحب المشروع هوأفضل من يعرف عن مقومات وعوامل نجاح وفشل مشروعه من أي طرف آخر حتى ولوكان البنك، ولا بد من الإشارة إلى أن تحليل تمويل هذا النوع من المنشآت قائم على أساس افتراضي نظراً لقلة وندرة المعلومات المتوفرة عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وهذا الوضع غير موجود في المنشآت الكبيرة نظراً لتوفر البيانات المالية المنشورة. وبالتالي فإن مشكلة البنك هنا هي حول قدرة وإمكانية البنك التمييز بين المقترض الجيد والسيئ.
وبينت الدراسات السابقة بأن اختلاف المعلومات في سوق الائتمان تؤدي إلى ما يسمى بالاختيار الخاطيء ( النوع الخفي من المقترضين )، وإلى المخاطرة الأخلاقية ( جهود المقترضين الخفية ). والاختيار الخاطيء يعرف بأنه عدم قدرة البنك على التمييز بين نوعين من المقترضين الجيد والسيئ، مما يخلق للمقترض الضعيف (السيئ) حوافز لإظهار نفسه على أنه مقترض جيد. أما مشكلة المخاطرة الأخلاقية بأنها عندما يكون نجاح المقترض مرهون ومرتبط بمجموعة من الجهود غير الممكن مراقبتها بكفاءة، فقد يكون المقترض غير جدي في طرح هذا الموضوع. ولكن لا بد من توفر عوامل تظهر الوضع الحقيقي للمقترض ومن أبرز هذه الأمور في هذا الجانب هي حجم الضمانات وسعر الفائدة، والتي لها دور مميز في تصميم عقد منح الائتمان. فالمقرض الجيد لديه القدرة والرغبة على تقديم ضمانات عالية ودفع سعر فائدة أقل لثقته العالية بمشروعه وإمكانيات نجاحه بصورة جيدة، في حين أن المقترض السيئ يرفض رهن ضمانات بقيمة عالية جداً ولكنه يقبل دفع سعر فائدة مرتفع وهذه عبارة عن مؤشرات تستخدم في تصميم العقد الائتماني وكذلك في كشف الحقيقة أمام موظفي الائتمان في البنوك.
ومن هنا تظهر أهمية الضمانات ودورها في عملية توفير التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. ولكن تظهر مشكلة أخرى أنه من أهم مشاكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة عدم قدرتها على توفير الضمانات اللازمة للحصول على التمويل المناسب. وبالتالي كيف تستطيع هذه المشروعات توفير احتياجاتها التمويلية في ظل غياب البنوك والضمانات معاً. فكان لا بد من تدخل الحكومات هنا لتوفير بديل مناسب وهوضمان مخاطر القروض.
ضمان مخاطر قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة:
تعمل البنوك والمؤسسات المالية كوسيط مالي بين أصحاب المدخرات والودائع من جهة ومستخدمي هذه الأموال من جهة أخرى، وممارسة هذه الوساطة المالية بين الطرفين توضح العلاقة التي ينشأ عنها الائتمان، فالائتمان علاقة بين طرفين أولهما تزيد موارده على احتياجاته وهم (المدخرون) والثاني تزيد احتياجاته على موارده وهم (المقترضون), وطبيعة العلاقة التي تنشأ بينهما تأخذ أحد شكلين: مباشر دون وساطة من أي طرف خارجي، أوغير مباشر عن طريق طرف ثالث غالباً ما يكون البنوك.
وتكتنف ممارسة البنوك لهذا النشاط مخاطر مالية كثيرة تحدث آثاراً سلبية واضحة، وغالباً ما تنجم هذه الآثار عن عدم تسديد الأموال التي تقرضها البنوك للأفراد لظروف اقتصادية سيئة تصيب المقترضين، ومن هنا كان على البنك أن يعمل على ضمان حقه واسترداد أمواله حتى يتمكن من الوفاء بالتزاماته تجاه المودعين، ولاسترداد هذه الأموال يشترط البنك الحصول على الضمانات مقابل توفير التمويل لمختلف المشروعات الصغيرة منها والكبيرة.
وفي اطار تسهيل الحصول على التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطويرها، تم التوجه نحوتبني آلية لضمان مخاطر القروض الممنوحة من البنوك لهذه المشروعات بصورة أكثر عملية وضمانا، وذلك من أجل تنمية وتفعيل دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إقراراً بأهمية الدور الذي تمارسه هذه المشروعات. وتعمل هذه الآلية من ناحية أخرى على تشجيع البنوك التجارية على توفير التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتفادي الحذر الذي كانت تلتزمه البنوك تجاه تلك المشروعات.
وفيما يلي عرض للتجارب الدولية في ضمان مخاطر القروض، وللتجربة الأردنية بمراحلها وتفصيلاتها المختلفة في هذا المجال، وإنجازات هذا البرنامج وآثاره في مختلف الجوانب.
أولاً: التجارب الدولية في مجال ضمان القروض:
نظراً لأهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومساهمتها الفعالة في الاقتصاد الوطني، عملت دول عديدة متقدمة ونامية على زيادة فعالية وكفاءة هذه المشروعات خصوصاً فيما يتعلق منها بالمجال التمويلي، وتم ذلك من خلال المساهمة أوالعمل على ايجاد برامج أومؤسسات وشركات ضمان مخاطر القروض الممنوحة لهذه المشاريع، وكان بعضها بالتعاون ما بين القطاعين العام والخاص.
1. أسباب إنشاء برامج ضمان القروض الصغيرة:
تعاني المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من صعوبات في ترتيب معاملاتها مع البنوك والمؤسسات المالية، وقد ظهر ذلك من خلال توجه البنوك التجارية والمؤسسات المالية نحوتفضيل التعامل مع المشروعات الكبيرة لافتقار المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى أسس المعاملات المصرفية، وارتفاع درجة المخاطرة في التعامل معها. وأهم أسباب محدودية القدرة لدى هذه المؤسسات في الحصول على القروض من البنوك والمؤسسات المالية، هي:
(1) يكتنف قرار منح القروض لمثل هذه المشروعات قدر كبير من المخاطر، نظراً للشكوك التي تعتري عمل هذه المشروعات وارتفاع نسبة فشلها وقابليتها للانهيار والتعثر، بفعل التغيرات الاقتصادية في السوق، مما يخلق لدى البنك نوعاً من التردد في التعامل مع هذه المشروعات، هذه بالإضافة إلى ما يرافق ذلك من تردد من قبل المشروعات نفسها في التعامل مع البنوك.
(2) تحاول البنوك والمؤسسات المالية حصر عملها في مجال توفير التمويل للمنشآت والمشروعات الكبيرة، وربما يرجع ذلك لطبيعة العلاقات الخاصة بينها سواء من حيث الملكية المشتركة أوالإدارة المشتركة وغيرها من الارتباطات.
(3) ارتفاع التكاليف الإدارية لتوفير التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يؤدي إلى التأثير على مستويات أرباح البنك أوالمؤسسة المالية.
(4) عدم قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة غالباً على توفير البيانات والسجلات المحاسبية الضرورية اللازمة لتقديمها للبنك في حال الرغبة بالحصول على التمويل، هذا بالإضافة إلى رغبتها في تقديم الضمانات في سبيل الحصول على هذا التمويل.
ولتجاوز هذه الأسباب والحد من المعوقات التي تمنع المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الحصول على التمويل اللازم لها، جاء إنشاء برامج ضمان مخاطر القروض الموجهة لها. على أساس قيام هذه البرامج بتوفير الضمانات تشجيعاً للبنوك التجارية على إقراض المشروعات المستهدفة بعد التحقق من جدواها الاقتصادية.
2. أهداف برامج ضمان القروض:
تصمم برامج ضمان مخاطر القروض الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتنشأ لتحقيق مجموعة من الأهداف ويمكن تلخيصها فيما يلي:
(1) تغطية جزء من الخسائر الناجمة عن أي حالة تعثر للعميل المقترض، الذي لا يتمكن من السداد، وفي مثل هذه الحالة فإن هذه البرامج تعمل على تشجيع البنوك والمؤسسات المالية على إقراض أصحاب هذه المشروعات.
(2) تعمل هذه البرامج على توفير الضمانات للبنوك والمؤسسات المالية، لتمويل الموجودات الثابتة، ومنها ما يوجه لتمويل رأس المال العامل، ويختلف هذا الوضع من دولة لأخرى، علماً بأن بعض الدول تضمن برامج الضمان فيها توفير الائتمان للأصول والموجودات الثابتة وتمويل رأس المال العامل معاً.
(3) تقوم هذه البرامج على اقتسام المخاطر فيها بين البنك أوالمؤسسة المالية ومؤسسة الضمان، حيث تعمل على توفير الضمان للمشروعات ذات الجدوى الاقتصادية، التي لا يقدر أصحابها على الحصول على التمويل نظراً لعدم قدرتهم على توفير الضمانات اللازمة للحصول عليه.
(4) تعمل هذه البرامج على تخفيف متطلبات البنوك والمؤسسات المالية المقدمة للقروض من متطلبات توفير الضمانات من قبل المقترض صاحب المشروع الصغير، الذي يكون غالباً عاجزاً عن توفير هذه الضمانات التي تكون غالباً تقليدية.
3. تجارب بعض الدول في مجال ضمان مخاطر القروض الصغيرة:
يوجد في العالم أكثر من (70) برنامجاً لضمان مخاطر القروض في كل من الدول الصناعية والنامية، وقد مضى على بعضها أكثر من (50) عاماً/ بينما باشر بعضها الآخر عمله منذ فترة زمنية قصيرة لا تزيد على عدة سنوات. وفيما يلي عرض موجز لعدد من التجارب الدولية في هذا المجال:
1-3: التجربة الأمريكية:
يمارس هذا البرنامج عمله في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال Small Business Administration (SBA) ، الذي تم إنشاؤه عام 1953، أي أن عمر التجربة الأمريكية حوالي 46 عاماً. ويعمل برنامج ضمان القروض الممنوحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال الاعتماد على المعايير الثلاثة التالية:
أ. حجم المنشآت :
يرتكز هذا المعيار على عدد من الجوانب أهمها عدد العمال في المشروع والعوائد السنوية للمنشأة، ويمكن تحديد المنشآت وفقاً لهذا المعيار بما يلي:
• الصناعات التي توظف أقل من 500 عامل.
• المنشآت التي يبلغ مجموع مبيعاتها السنوية بالتجزئة أقل من 5 ملايين دولار.
• المنشآت التي تقدم خدمات سنوية بقيمة أقل من 5 ملايين دولار.
• منشآت البيع بالجملة على أن يقل عدد العاملين فيها عن 100 عامل.
• لتنفيذ اتفاقيات البناء التي تقل عن 17 مليون دولار سنوياً.
• التجارة الخاصة التي يبلغ مجموع مبيعاتها السنوية أقل من 7 ملايين دولار.
• المزارع والمنشآت الزراعية التي تقل مبيعاتها السنوية عن 500 ألف ددلار.
ب. طبيعة المنشأة:
تعتبر جميع المنشآت مستهدفة من قبل(SBA)، باستثناء تلك التي لا تهدف إلى تحقيق الأرباح، وتلك التي تفتقر إلى الصفة القانونية في ممارستها لأي نوع من النشاطات، وللمضاربات في البورصات والأسواق المالية، ولتمويل المؤسسات المالية المختلفة.
ج. استخدام التمويل:
عادة ما تستخدم القروض المضمونة من قبل (SBA) لإنشاء وإقامة المشروعات المتنوعة، غير أن القروض التي تحصل عليها المشروعات القائمة عادة ما يكون استخدامها لأحد الأغراض التالية:
• شراء مواد أولية أوموجودات.
• شراء الأثاث والتجهيزات المختلفة.
• شراء أرض لإقامة بناء عليها أوللبناء.
• إجراء التحسينات والتطويرات.
• لتمويل احتياجات رأس المال وإعادة تمويل الديون المتحققة.
أما نسبة الضمان المقدمة من قبل هذا البرنامج ، فهي عادةً 90% من قيمة القرض، على أن لا تزيد قيمته على 500 ألف دولار. علماً بأن رسوم الضمان التي يتقاضاها البرنامج تختلف حسب مراحل تنفيذ القرض، إذ يتم تقاضي 1% رسوماً أولية عند سحب القرض (وهي طبعاً من قيمة القرض)، وبعد ذلك يتم الحصول على ما نسبته 0.5% - 2.25% من قيمة القرض إذا كانت مدته تقل عن 7 سنوات، أويتم الحصول على ما نسبته 2.75% للقرض الذي تزيد مدته على ذلك. وتتمثل مصادر الأموال لهذا البرنامج بالإضافة إلى إيراداته من عملياته التشغيلية والاستثمارية المختلفة، في السماح للبنوك التجارية بخصم جزء من القروض المضمونة في السوق النقدي الثانوي، أي أن باستطاعة البنوك بيع طلبات القروض في الأسواق الثانوية مثلها مثل السندات المالية المكفولة من الحكومة، وبناءً على ذلك يتم توفير مصادر تمويلية وأموال إضافية يتم توجيهها لمنح المزيد من القروض.
2-3 :التجربة الاندونيسية :
تم انشاء المؤسسة العامة لتأمين التمويل والائتمان في اندونيسيا عام 1971 بقرار ومساهمة حكومية، وذلك للعمل على تغطية المخاطر المؤدية لتعثر القروض الموجهة للمشروعات الصغيرة والكبيرة على حد سواء. ومن خلال بنك اندونيسيا تم إنشاء وحدة لتوفير التمويل والائتمان للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال تمويل رأس المال العامل فقط، على أن تبلغ نسبة الضمان 75% من قيمة القرض الذي تبلغ قيمته تقريباً 15 ألف دولار. وتبلغ نسبة الضمان، 3% من قيمة القرض تدفع لمرة واحدة للقروض التي تتراوح مدتها من 3-5 سنوات، و1% للقروض التي تقل مدتها عن سنة واحدة.
3-3: التجربة المصرية:
وفي جمهورية مصر العربية تم انشاء شركة ضمان مخاطر الائتمان المصرفي للمشروعات الصغيرة كشركة مساهمة عامة، طبقاً لقانون الشركات المصرية رقم (159) لسنة 1981، بمساهمة من تسعة بنوك مصرية وذات ملكية مشتركة، وشركة تأمين، وكان ذلك في عام 1991. وتهدف الشركة إلى تشجيع وتنمية المشروعات الصغيرة في مختلف المجالات الإنتاجية والخدمية وتطويرها من خلال تيسير حصول تلك المشروعات على الائتمان المصرفي اللازم لإقامة المشروع، أولتطوير أدائه، أوتيسير مزاولته للنشاط، وذلك كله من خلال توفير الضمان للأموال الممنوحة من قبل البنوك، وتمارس الشركة عملها من خلال اتفاقية تم توقيعها مع اثنين وثلاثين بنكاً في مصر.
وتقوم الشركة بتغطية ما نسبته 50% من قيمة التمويل المطلوب، على أن يكون الحد الأدنى لقيمة الضمان للمنشأة الواحدة 10 آلاف جنيه والحد الأقصى 700 ألف جنيه مصري، وعليه، يمكن للمنشأة أن تحصل على تمويل يتراوح ما بين 20 ألفاً إلى ما مقداره 1.4 مليون جنيه، وتبلغ مدة الضمان ما بين ستة أشهر وخمس سنوات كحد أقصى ويجوز مدها، كما يجوز أن تكون هناك فترة سماح. وتتقاضى الشركة 1% سنوياً من رصيد القرض أوالتسهيل كمصروفات إدارية. وتقدم الشركة أنواعاً مختلفة من الضمانات تتمثل في ضمانات الأطباء والصيادله والمراكز الطبية ومعامل التحليل، وقروض الصندوق الاجتماعي، إضافة إلى عدد آخر من النشاطات المختلفة. وقد تمكن برنامج ضمان مخاطر القروض المنفذ في هذه الشركة من تحقيق نتائج كبيرة خلال السنوات الخمس الأولى من عمله، حيث تمكن من توفير تمويل قيمته 697 مليون جنيه، ضمنت الشركة منها 335 مليون جنيه، ومتوسط قيمة القرض الواحد 143 ألف جنيه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتقتضي السياسة المتبعة حالياً في الشركة عدم الموافقة على ضمان أي مشروع ما لم يكن ممولاً ذاتياً بنسبة 30% إلى 50% من قيمة الاستثمار الكلية.
التجربة الأردنية في مجال ضمان مخاطر قروض
المشروعات الصغيرة والمتوسطة
1. الأهمية الاقتصادية والاجتماعية لبرنامج ضمان مخاطر القروض:
كانت الفكرة الأساسية من استحداث برامج لضمان مخاطر القروض الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، هي خلق نوع من التوازن بين حجم القروض الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من جهة، والكبيرة من جهة أخرى، والعمل على الحد من تحيز البنوك التجارية والمؤسسات المالية ومحاباتها لصالح المشروعات الكبيرة، وذلك نظراً لتدني هذه المشروعات، وسهولة تعاملها مع البنك، بالإضافة لقدرتها على توفير الضمانات المطلوبة، بعكس المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعجز عن توفير هذه الضمانات، وعن الوفاء بالتزاماتها.
وتبين المعلومات المتوافرة حول نشاط البنوك التجارية في الأردن، مدى محدودية نصيب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من إجمالي حجم الائتمان الذي توفره تلك البنوك، مقارنة مع حجم الائتمان الذي تقدمه للمشروعات الكبيرة.
ومن هنا جاء اهتمام برنامج ضمان القروض المنفذ من قبل الشركة الأردنية لضمان القروض، بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ذات الجدوى الاقتصادية، نظراً لأهمية هذه الشريحة ومساهمتها في الناتج القومي. وتسعى الشركة من خلال دعم تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المترافقة وهي كما يلي:
تشجيع الاستثمار المجدي.
زيادة الطاقة الإنتاجية المتأتية من إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم وذلك بما يمكن الاقتصاد الأردني من زيادة الاعتماد بشكل أكبر على الإنتاج المحلي.
زيادة الطاقة الإنتاجية لهذه المشروعات من شأنها أن تعمل على تقليل الاعتماد على المستوردات الأجنبية وما يترتب على ذلك من توفير جزء من الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
تشجيع الإنتاج المحلي من خلال هذه المشروعات وزيادته، كفيل بجعلها تبحث عن أسواق خارجية لتسويق منتجاتها، مما يؤدي إلى زيادة الصادرات الأردنية، وتعزيز وضع الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
العمل على توفير التمويل لهذ المشروعات يعمل على الحد من مشكلة البطالة، والمساهمة في خلق المزيد من فرص العمل.
السعي نحوتنمية المناطق النائية، مما يدفع الشركة إلى التوجه لدعم المشروعات الواقعة خارج أمانة عمان، وذلك تماشياً مع هدف خلق تنمية متوازنة في أنحاء المملكة كافة.
العمل على زيادة دور المرأة ومساهمتها في المجال الاقتصادي، من خلال التوجه نحودعم وتشجيع المشروعات التي تملكها أوتديرها.
وعليه، فإن الاهتمام بالمشروعات المستهدفة من قبل برنامج ضمان القروض، يأتي من حقيقة دور وأهمية هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية في الأردن.
الشركة الأردنية لضمان القروض:
تأسست الشركة الأردنية لضمان القروض كجهة منفذة لبرنامج ضمان القروض برأسمال قدره 10 ملايين دينار، عام 1994. وعليه، فإنها تهدف من خلال ممارستها لنشاط ضمان القروض إلى تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات هي:
1. تقديم الضمانات اللازمة لتغطية مخاطر قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة الممنوحة من قبل البنوك والمؤسسات المالية المشاركة بمختلف آجالها وأنواعها تغطية كلية أوجزئية، و الموجهة لتأسيس المشاريع الاقتصادية أوتوسيعها بغية رفع كفاءتها الإنتاجية والتسويقية، وذلك بهدف خلق فرص العمل وتوفير إمكانيات كسب أوادخار العملات الأجنبية.
2. تقديم الضمانات اللازمة لتغطية المخاطر في مجال ائتمان الصادرات الأردنية في أي قطاع من القطاعات الاقتصادية بشكل عام وفي أي قطاع أومجال يحقق مصلحة الشركة بشكل خاص.
3. 3لقيام بأعمال إعادة الضمان والحصول على ضمان مقابل لجميع أولأي من المخاطر المتعلقة بالقروض التي تقوم الشركة بضمان تغطيتها.
4. توفير عمليات الضمان لحساب الشركة الخاص أولجهات أخرى.
5. إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية وتقييم المشاريع، وكذلك الدراسات اللازمة لأداء أعمال الشركة، ومراجعة وتعديل سياساتها بما يتفق وتطور القطاعات الاقتصادية المختلفة في الأردن.
6. تطوير أدوات أووسائل أونماذج مستحدثة أوتقليدية وتعديلها وتطبيقها، والتدريب على استخدامها في مختلف المجالات ذات العلاقة بالشركة، بما في ذلك تطوير وسائل أوأدوات لضمان عمليات التمويل التي تتفق وأحكام الشريعة الاسلامية، وبما يكفل تحقيق غايات وأهداف الشركة.
آلية العمل في برنامج ضمان القروض المنفذ من خلال الشركة الأردنية لضمان القروض:
نظراً لكون طبيعة عمل الشركة وتنفيذها لبرنامج ضمان القروض يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبنوك التجارية، من خلال توفيرها الضمان للائتمان الذي تقدمه هذه البنوك لمختلف المقترضين، فقد كان لابد من وجود إطار يحدد وينظم العلاقة التي تنشأ فيما بين الشركة كجهة منفذة لضمان القروض الممنوحة من البنوك، وبين البنوك التجارية وقد تم عقد اتفاقية ضمان بين الشركة والبنوك المشاركة في مظلة الضمان، محددة واجبات الشركة وواجبات البنك المشارك، وتحدد أيضاً رسوم وسقف الضمان والمطالبات بقيمة الضمان، والمشروعات المقبول وغير المقبول ضمانها، ونسبة الضمان المخصصة للمشاريع المستهدفة. كما تضمنت الاتفاقية أحكاماً عامة أخرى وملاحق مفصلة تنظم العلاقة بين الشركة والبنك المشارك.